عروة بن أُذَينة
عنْيحيى بنِ عُرْوةَ بنِ أُذَيْنةَ؛ قال: أتىٰ أبي وجماعةٌ منَ الشُّعراءِ هشامَ بنَ عبدِ المَلِك، فنَسَبَهم، فلمَّا عَرَفَ أبي قالَ له: أنتَ القائلُ:
لقدْ عَلِمْتُ وما [الإشرافُ] مِنْ خُلُقِي
أنَّ الَّذي هوَ رِزْقي سوفَ يَأْتِيني1
أسْعَىٰ لهُ فيُعَنِّيني تَطَلُّبُهُ
ولَوْ [قَعَدْتُ] أتاني لا يُعَنِّيني2
وأنَّ حَظَّ امْرِئٍ غَيْري سيَبْلُغُهُ
لا بُدَّ لا بُدَّ أنْ يَحْتازَهُ دُوني3
لا خَيْرَ في طَمَعٍ يُدْني [إلىٰ طَبَعٍ]
وغُفَّةٌ مِنْ قِوامِ العيشِ تَكْفِيني4
لا أرْكَبُ الأمْرَ تُزْرِي بي عَواقِبُهُ
ولا يُعابُ بهِ عِرْضِي ولا دِيني5
كَمْ مِنْ فقيرٍ غنيِّ النَّفْسِ تَعْرِفُهُ
ومِنْ غنيٍّ فقيرِ النَّفْسِ مِسْكينِ!
ومِنْ عَدُوٍّ رَماني، لَوْ قَصَدْتُ لهُ
لمْ يأخُذِ النِّصْفَ مِنِّي حينَ يَرْمِيني6
ومِنْ أخٍ لي طَوىٰ كَشْحًا، فقلْتُ لهُ:
إنَّ انْطِواءَكَ عنِّي سوفَ يَطْوِيني7
إنِّي لَأَنْطِقُ فيما كانَ مِنْ أَرَبِي
وأُكْثِرُ الصَّمْتَ فيما ليسَ يَعْنِيني8
لا أبْتَغي وَصْلَ مَنْ يَبْغي مُفارَقَتي
ولا ألِينُ لِمَنْ لا يَشْتَهي لِيني
فقالَ له ابنُ أُذَيْنة: نَعَمْ، أنا قائلُها. قال: أفَلا قَعَدْتَ في بيتِكَ حتَّىٰ يأتيَكَ رِزْقُك!
وغَفَلَ عنه هشام، فخرجَ مِن وقتِه، وركبَ راحلتَه ومضىٰ مُنصرِفًا، ثم افتقدَه هشامٌ فعرفَ خبرَه، فأَتْبَعَه بجائزةٍ وقالَ للرَّسول: قُلْ له: أردْتَ أنْ تُكذِّبَنا وتُصدِّقَ نَفْسَك؟!
فمضىٰ الرَّسولُ، فلَحِقَه وقدْ نزلَ علىٰ ماءٍ يتغدَّىٰ عليه، فأبْلَغَه رسالتَه ودفعَ الجائزة، فقال [عُرْوة]: قُلْ له: صدَّقَني ربِّي وكذَّبَك!
ترجمة ابن أذينة:
عروة بن يحيى ـ وأذينة لقبه ـ بن مالك بن الحارث، أبو عامر الليثي (ت 130ھ): شاعر غَزِل مقدَّم، من شعراء أهل المدينة، وهو معدود في الفقهاء والمحدّثين؛ روى عنه مالك بن أنس في موطّئه، وعبيد اللّه بن عمر العدوي (أحد فقهاء المدينة السبعة).
التوثيق
زيادة بيان: